الخميس، 31 أكتوبر 2019

الأمن والأمان الحقيقي

الأمن والأمان الحقيقي


بادئ ذي بدء ، ننوه الى أن مفردة ( عبد ) لا تعني في هذا المقال مَن يعمل في مُهنة غير راقية أو يخدم لدى الغير من أجل لقمة عيش نظيفة شريفة ، ولا ذاك الذي ببشرة سوداء أو خضارية ، وإنما المقصود بـ( العبد ) هو الذي يتذلل لصاحب السلطة ، ويستلذ المهانة ويفتخر بالخضوع والخنوع ومطأطأة الرأس وحني الظهر للطواغيت والدكتاتوريين المستبدين الظلمة الفاسدين ، ولا يأنف من الاحتقار الذي يُعامل به من قبل المستذنب لهم !

والحر - بالتأكيد - على العكس تماماً مِمَّا سلف بيانه .

مع بداية العام 2011م انطلق وانتشر في الوطن العربي بدءاً من تونس اعصارٌ ثوري شعبي أُطلق عليه ( الربيع العربي ) وقد نجح وأثمر في بعض الدول خاصة دولة البدء ( تونس ) وأخفق أو بمعنى أصح أُخفِق في دولٍ أخرى بسبب التدخل بثورات ( دكتاتورية ) مضادة لرغبات الشعوب ، الأمر الذي نتج عنه مآسي وآلام حياتية منعكسة عن تصرفات قمعية بوليسية همجية أُرتِكبت خلالها جرائم دموية بحق الانسانية ، وحولت البلد الذي حصلت فيه الى فوضى عارمة وتمزّق مناطقي وتفرّق شعبي ما زال قائماً حتى الساعة !

ولم يسلك الربيع العربي طريقه الى الدول الخليجية ليس لوهنه واصابته بالشيخوخة في صباه ، بل لأن هذه الدول - وبالذات الأكثر ارتعاباً من الثورات الشعبية لموجبات انبعاث الربيع فيها ( السعودية ) - أقامت سدوداً وحواجز لوقف تمدد الربيع إليها ؛ ومن هذه السدود في الداخل حاجز مقولة ( الأمن والأمان ) و ( التحذير والتخويف ) مِمَّا يحصل في الجوار ، و معزوفة ( مهما حصل من فقر وبطالة وتبذير للمال العام وفساد شامل كافة شؤون البلد ) فأن ذلك يهون ولا يعد شيئاً ذا أهمية اذاما قورن بالفوضى وربما الاقتتال بين شرائح المجتمع ، بمعنى - لسان حال السلطة والعازفين عزفها التخويفي - أن ما دام بطنك أيها المواطن شبعان ولو من تبن وظهرك مغطى ولو بخيشة وسكنك متوفراً ولو بالايجار الذي يلتهم دخلك ويقصم ظهرك ، أو في خيمة مرمية بالصحراء القاحلة ، فأنك بنعيم مقيم (!) وعليك الحمد والطاعة والتسليم والانقياد والخضوع والركوع لولي الأمر ( الحاكم ) لأنه هو إلَهك المعطي المانع المغني المفقر ، وربما قال بعضهم المحيي المميت !!

الحرية أيها المحاربون لها ، والمكرّهون في طالبيها ، لا تعني ملئ البطن مع اعماء العيون وتكميم الأفواه ومصادرة الحقوق ، فهذه الأمور متحققة للبهائم في الشبوك والحظائر ! الحرية تعني أن يمتلك المواطن قراره ويمارس حريته في التعبير عن رأيه في شؤون بلده ، ويراقب مسالك واتجاهات الكيفية التي تدار بها ثروات البلاد ، والعلاقات السياسية والأمنية والأقتصادية مع الدول المجاورة سواء التي كلٌ منها على حدة أو تلك المنضوية في منظومة كيانية واحدة !

ما فائدة امتلاء البطن في ظل مصادرة الحرية وسلب الحقوق الوطنية وكفّ الأراء والنقد البناء عن التطرق للإخلالات والأخطاء والتصرفات الهوجاء التي يمارسها المتسلطون فيقلبون بها نهار البلد الى ليل ، ومعيشة الشعب الى ضنك ، وكرامة المواطنين الى امتهان واذلال واحتقار وبصق وصفع ، ثم يقال للمصادرة حرياتهم ( احمدوا ربكم واسجدوا لحاكمكم ، على ( الأمن والأمان ) !؟

الأمن والأمان الحقيقي هو أن تسود العدالة ، ويعم الانصاف ، وتحترم الحريات ، وتصان الحقوق ، ويفسح للأراء ويُتاح للتعبير بالنقد الهادف المنير، ويُسمع صوت المواطن سواء منفرداً أو عن طريق ممثلين يتم انتخابهم من قبل الشعب - لا بالتعيين من قبل الحاكم - بطريقة ديمقراطية حرة مباشرة !

وان لم يتحقق هذا للمواطن فليس من المنطق والقرار الحر أن يستمتع الحكّام ولفيفهم الاسترزاقي بالمنافع والشعب يصفع ، بل الحق والواجب أن تقلب الطاولة على المستنفعين بخيراتها ليتساوى الجميع في الحرمان وانعدام الأمان ، اذا لم تحصل المساواة وتُحتَرَم انسانية الانسان !




تاريخ الاعداد والنشر 28/10/2019م

هناك 3 تعليقات:

  1. يقول نوبوأكي نوتوهارا مؤلف كتاب "العرب وجهة نظر يابانية في الصفحة (51-52) من الكتاب:"إنني أريد أن أقول بكلمات واضحة ومباشرة: أن المعارضة القائمة في البلدان العربية هي في حقيقتها سلطة ضد السلطة أو سلطة مضادة تطمح للسيطرة على الحكم دون أن تقدم مشروعا مغايرا لمشروع الحكم المسيطر. ولذلك فالمعارضة في البلدان العربية أمنة لها مكاسبها ولها مشاركتها في الحكم أحيانا....إلخ."

    ردحذف
    الردود
    1. أهلاً بك ، تشرفنا بالزيارة ،
      المعارضات تختلف عن الثورات في الأهداف والغايات ، لكنها تتفق في أنها ناتجة عن وجود اخلالات منهجية في السياسات السلطوية بشأن الحقوق الشعبية الوطنية والمعيشية ؛ لذلك فأن الثورات تمتطي الحقوق الاجتماعية بهدف الوصول الى كرسي الحكم ، بينما المظاهرات تستهدف تحقيق الحقوق في ظل الحكم القائم .

      حذف
    2. شكرا لردك
      كيف تقيس الأمور لو تكرمت؟
      المظاهرات تستهدف الحقوق في ظل الحكم القائم...!!!؟؟
      ولو أن الحكم لم يستجب الى تلك المطالب بسبب ظروف إقتصادية أو سياسية, ماهو ردة الفعل المناسبة من المظاهرات؟ وهل جميع المظاهرات لديها مطالب عادلة؟ هل سوف تتحول الى ثورات؟ هل سوف تبدأ أعمال التخريب والشغب والتي سوف يصدر الإتهام مقدما لأنصار الحكومة بأنهم مسؤولين عنها؟

      حذف

بجرة قلم تباعدوا .. وبجرة قلم تحاضنوا !؟

بجرة قلم تباعدوا .. وبجرة قلم تحاضنوا !؟ في لحظة غياب عقل ( وهو - خلقة - غائب في هذه البقعة البقعاء ) تزاعلوا ، علامَ ؟ لا أحد يعلم ! وتب...