الميكروب الدرعي
في سنة من السنين الكبيسة هبت على الكويت ريح هيجاء غبراء ، شعرالناس خلالها وبعدها بانسداد النفس ، وانعدام الشهية ، وتقلب المزاج ، والتوتر العصبي ، والاضطراب النفسي ، وتنكدت المعيشة ، وفسدت الحياة التعاملية بين الناس .
ولم يكن يعرف في الكويت - آنذاك - مسببات الأمراض كالميكروبات والفيروسات التي تغزو البلاد وتنتشر باضطراد ، لذا فقد تجاهلوا - في بداية الأمر - هذه العوارض الغريبة ، واستمروا يمارسون حياتها بحلوها ومرها ، وسعدها ونكدها ، محاولين التقألم والتطبع مع الوضع الصحي الذي فاجأهم بما لم يألفوه على مدى تاريخهم الوجودي .
لكن التنغيص الصحي أخذ يتطور ويتعاظم ، وتطورت الأعراض الى الغثيان ، والسعال ، والماغص ، والقئ ، والسهال ، وبدأت الأجساد تذبل وتنحل ، والملامح تتشوه وتتغير، والنفوس تتنافر، والناس تتكاره وتتباغض وتتشاحن وتتشاجر وتتلاعن وتتعاير، ولم تعد الحياة تطاق .
فإجتمع أعيان البلد لتدارس الأمر واتخاذ ما يلزم تجاه الوضع الخطير، وبعد التشاوروالتناصح رأوا أن يُنشأ مختبرات تخصصية ويُعيّن فيها علماء متخصصون في علم الميكروبات والفيروسات والطفيليات والعثّة والبق وغير ذلك من مسببات الأمراض لا سيما المعدية فتُجرى الفحوصات اللازمة للناس المصابة لمعرفة نوع المرض والمخلوق المسبب له ، ومن ثم علاجه قبل أن يستفحل فيستعصي ويتحول الى وباء مميت ؛ وبالفعل حصل ما تم الاتفاق عليه ، وكانت المفاجأة المفزعة أن اكتشف العلماء ميكروباً غريباً يتحرك بطريقة الزحف المتموج كما هي حركة الأفاعي ، ويسير بإلتصاق زئبقي بالوسط الذي يتواجد فيه ، وله درع مقاوم للمضادات الحيوية ، ويتغلغل بين ثنايا أنسجة الجسد متوهماً بلون المسار الذي يسير فيه ، أي ان كان يسير مع الشرايين يأخذ لون الدم ، وان كان بالجلد يأخذ لون البشرة ، وان كان بالتجسيم الجسدي يأخذ شكل ولون العضلة ، وهكذا ، الأمر الذي يجعل علاجه صعباً جداً إن لم يكن مستحيلاً ، إلا أن من حسن الحظ أن الوقاية من هذا المرض الخطير ناجعه بمشيئة الله ، وذلك من خلال التطعيم الوقائي لمَن لم يصب به وخاصة صغار السنة ، حيث أوصى علماء الفيروسات والميكروبات المعدية بأن يتم تطعيم تلاميذ المدارس ضد هذا الميكروب الذي أطلقوا عليه اسم [ الميكروب الدرعي ] نسبة لدرعه التمويهي المقاوم ، أما الذين أُصيبوا بهذا الميكروب العفن فلا فائدة من علاجهم في الوقت الحاضر ، ولا ينفع معهم إلا المسكنات أملاً في أن يكتشف العلم علاجاً ناجعاً يقضي على الميكروب الدرعي الخبيث .
نسأل الله العفو والعافية ، ونسأله جلّت قدرته أن يحمي الكويت وأهلها من هذا المرض الذي غزاها ممتطياً هبوب الريح في سنة كبيسة ، وكان الكويتيون على نياتهم يستبشرون بالرياح التي تسوق السحاب فتمطر السماء وتطهر الأرض وينبت العشب وتخضر الصحراء فينعم الناس ويُسرّون بالمنظر البهيج .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق